عن ذِكرى ثورتنا اليتيمة
بلال البرغوث | March 21, 2017
تمرُّ الذكرى السادسة للثورة السورية ثقيلةً كئيبةً محبَطةً إلّا بقليلٍ من الأمَل بمَن نحسَبُهم ثلَّة صادقة ما غيرت ولا بدّلت وإن كانوا قلّة، تمرُّ ذكراها اليوم فتتجوّل في خواطري أطيافُ أصحابٍ فقدناهم على هذا الدرب الطويل المخضَّبِ بدمٍ عابقٍ بالحريّة، أولئكَ الذين آثروا أن تكون أجسادهم جسوراً تعبر من خلالها الأجيال نحو مستقبلٍ أكثر عدلاً وأكثر أماناً، آثروا أن يسقوا تراب الوطن بدمائهم لتنبتَ يوماً حريَّةً وعيشاً هنيئاً.
تجوبُ خواطري مَن بقوا خلف القضبان، يتنفسون الصعداءَ تحتَ وطأةِ جلّادٍ لا ترحمهم أسواطه، وإنما تنالُ من أجسادهم وتنهش لحومهم ثم تودعهم القبور، أو إن كانوا سعيدي الحظ فإنهم خرجوا منه كمَن خرَجوا تماماً من القبور، نحيلي الأجساد، فاقدي الصحّة، ومبتلين بشتى أنواع الأمراض والرضوض والكسور.
ولا شكّ بأنّ أمّ الشهيد التي ربّت ابنها ونذَرت النذور لتراه شاباً، وقد رأته اليوم جثّة هامدةً مقطّعة الأوصال، لا شكّ أنها مع كل إيمانها، فقد انكسر قلبها وامتلأ حقداً وغيظاً، لا شكَّ أن صرخاتها التي تصعَقك وتُشعرك بنذالة هذا العالم المجنون الذي أفقد هذه السيّدة أغلى مَن تملك، أن هذه الصرخات كانت مُلهمةً للثائرين نحو طريق العدالة ومحاسبة القتلة.
قد تكون الثورة السورية اليوم على مفترق طرق، فبينَ المدن الثائرة التي أُخليَت برقابةٍ أمميّةٍ من أهلها، وبين الفصائل التي انكبَّت على صراعاتها الداخلية، وبين تقدِّم الأسد على الجبهات والمحاور الاستراتيجية، وفي ظلِّ غياب الأفق في التنسيق العسكري لحفظِ ما تبقَّى من التراب الحر، وكذلك في ظلِّ فشلٍ سياسيٍ مُحبِط وغياب مشروعٍ سوري ثوري شامل، أخيراً وليس آخراً خنجرُ داعش الذين يطعنُ بلا توقف خاصرة الثورة السورية وظهرها، ومثله الميليشيات الكردية الانفصالية التي عملت على تحقيق الشرخ بين مكونات الشعب السوري بدعاوى قوميّة، مستفيدين بذلك من التاريخ الأسود للقوميين العرب تجاه قضاياهم، أضِف على ذلك كله، انعدام الإرادة الدولية لتمكين الشعب السوري من تحقيق مطالبه وتكالب القريب والبعيد على هذه المطالب ومحاولة إجهاضها عبرَ شراءِ متسلّقين على جماجمِ السوريين، لا يمثلون سوى أنفسهم، ومنصّاتٍ صُمِّمَت من أجلِهم وعلى قياسهم، هؤلاء الذين شرّقوا وغرّبوا بولاءاتهم حتى أضحَوا «باعَة هوى» للذين يدفعون أكثر.
تمر ذكرى الثورة في هذه الطرق الوعِرة التي لا شكّ تعمل على خلقِ الثورة المضادة قبلَ تمكينها حتى من تحقيق أدنى أهدافها، وإن كانت الأهداف بلا شك تبدأُ من إسقاط النظام القائم وحل مؤسساته الأمنية ومحاسبة القتَلة بما في ذلك الجيش الغارق حتى النخاع بدماء السوريين، والشروع بانتخاباتٍ حرّةٍ تمهد لبناء سوريا الجديدة، فإنّ مطالبَ من هذا النوع بلا شك ستصطدم بالواقع العربي المُجهَد والمُجهَض فكريّاً، فثورات الربيع العربي التي تمَّ احتواؤها من قبَلِ قوى إقليميّةٍ ودوليّة حالَت دون تحقيق مطالبها بالحرية والعدالة الاجتماعية، وفي حالِ شرَع السوريون بتحقيق هذه المطالب بعد سقوط النظام فإنهم سيُشكّلون حافزاً بلا شك لأنصار هذا المد الثوري الذي صودِرت ثورته باسم الأمنِ ومحاربةِ الإرهاب والمصلحة الوطنية العليا… وسيكونُ إعادة إحياء هذا المد كارثةً من جديد على مَن وضع العصي في عجلاته سابقاً.
بعد ستِّ سنينٍ من الكفاح السلمي والمسلح، فليَكن ما يكون، يكفينا أننا حاولنا، حاولنا تغيير واقع الظلم الذي عايشناه وآلَمنا، قاتَلنا في سبيل رفعِه، ولتعلَم الأجيال بعدَنا أنّنا لن نقفَ في وجوههم في معركتهم ضد الظلم كما وقف آباؤنا في وجهنا، نعم.. لقد كسرنا حاجز الخوف وجدران الأبنيّة الأمنية وعبرنا بأحلامنا بعيداً، عبرناها نحو الإنسان الحرِّ المستقل، رسمنا أحلاماً لم نرَها بعد، فلربّما يرَونها هم يوماً ما.
المصدر | عربي بوست