رواية ممالك البحر الأحمر من الفانتازيا التاريخية إلى شبهِ الواقع

بلال البرغوث  |  October 3, 2019


الفانتازيا التاريخية في (ممالك البحر الأحمر):

في روايته الصادرة حديثاً يقدم الروائي بلال البرغوث نفسهُ كراوٍ للفانتازيا التاريخية، عنوانهُ( ممالك البحر الأحمر/ السقوط) على أنّه وضعَ” السقوط” كعنوانٍ فرعي، كونهُ يطمحُ بحسبِ مقدمته ليكونَ عملهُ ثلاثيةً وهذا هو الجزء الأول، يخلصُ البرغوث لمفهوم الفانتازيا التاريخية بأنّها محاولةٌ لاختراقِ الواقعِ باللامألوف، وصنعِ حياة متكاملةٍ فضاؤها الخيال، وهنا الخيال لايعني المخيال الذي تتطلبهُ الرواية عموماً، إنّما خيالٌ يخصّ القصة الأساس من ألفها إلى يائها، من مكانها إلى زمانها، من شخصياتها إلى حيواتهم وسلوكهم، لايوجدُ حيزٌ مكاني بعينهِ، سوى أنّ ممالكَ جاءت كما لو أنّها من عدم بأسمائها وأسماء شاغليها، ولهذا فالراوي يقول بأنّه رسم خريطةً متخيلةً تماماً بالحدودِ الفاصلةِ بينها، وجعلها منطقة براكين ثائرة، تعيقُ التنقلَ بسهولة فيما بينها، ولو دلّت النارُ على أمرٍ، من المؤكد تشيرُ إلى حالةٍ متقدمةٍ للحياةِ، بردّ الأرض نفسها إلى حالتها الناريةِ ومن ثمَّ تبرّدها لتصبحَ قابلةً للاستئناس، على أنّنا هنا وفي التوصيفِ الذي يفعلهُ بلال لروايته بتزمينها في الفترةِ التي أعقبت طوفان نوح وسبقت الديانات الابراهيمية!

صراعات الشخصيات والممالك/ الأبطالُ والمهمّشون:

تتوزّع بيئة الروي على ممالك متمايزة، وتكادُ كلّ مملكةٍ لها كينونتها والمميّز الذي يمنحها الاختلاف، تشكلّت شخصيتها الاعتباريةِ بعد الصقلِ الذي أصابها جرّاء حرب امتدت على قرنين ونصفٍ من السنين، لتنتهي إلى معاهدةٍ سريةٍ بين الممالك الخمس، سميت:” معاهدة البحر الأحمر”، الطريف فيها أنّها وقعت على صفائح معجونة برماد أجسادِ القادةِ العسكريين ومصهور حديد دروعهم وسيوفهم، وبقيت الحالُ والمعاهدةُ لمئة عامٍ غامضةً ومهابةً ولم يفكّ أحدٌ عراها، إلى أنْ رأى ملك العرب نفيل بتهديدِ مملكة الأغادي الحضارية والمثقفة لمملكته وباقي الممالك، والعمل بالتجويعِ والدسائس والحيلِ لإنهاكِ الوجهِ الخيّر لصالحِ امتهان الإنسانِ والعبودية، وإعلاء شأنّ الاستبدادِ والتحكّم بالحياةِ من خلال إخافةِ الرعيةِ من علاقةٍ مع إله واحد، وكذلكَ من التمدّنِ. وإذا نظرنا إلى الصراع فهو يأخذ شكلاً مؤطراً، أشبهُ بصراعٍ طبقي داخل كل مملكةٍ بين طبقةٍ متنفذةٍ وأخرى تابعةٍ يرسم مصيرها ملوك وعسكر وسحرة، وصراع أخر وجودي يكونُ بين الممالكِ فيما بينها، وبين الممالك الأربعةِ ومملكة الأغادي والتي تفسرُ العالم بطريقة علمية وفلسفية وهي بذلك تنتصر للخير على عكسِ الأخريات، ولو جاز لنا أن ننتقي بطلاً من حيث الفعل والنفوذ والهيمنة فكلّ مملكة لها شخصيتها التي تتفاعل وتتنامى، ولو جازَ لنا انتقاء بطلٍ قيمي منها فستكونُ الأغادي بشخصياتها الخيّرة والشجاعة من بيبولت إلى الجليل حيثُ الحكمةُ والانتصار للإنسانِ والخير!

اللغةُ وتقاناتُ الكتابةِ:

تسعى رواية” ممالك البحر الأحمر” الاستفادةَ من تجنيسها بالفانتازيا التاريخية من حيث المساحة الطيبة للخيال، وكذلك استثمار ماتسمحُ به هذه الكتابة من اقترابها من الأسطورةِ أو الخرافةِ أو السحر، أو كلها مجتمعة، ولهذا سيجدُ قارئ الروايةُ لغةً تتقاربُ مع القصةِ والأحداث والشخصياتِ، لغة ملحمية، سيرية، محكمة السبكِ، تشويقية، مشغولة بدراية وعنايةٍ، لغةٌ تصويرية، تعيدُ المتلقي إلى تلك الملاحم بلغاتها الحاملةِ لروحها، ولا ندري هنا من إخلاص الراوي لتقنيةِ التصوير والوصف وسرد الحدث بلسان شخصياتها الفاعلة ما إن كانَ غيّب شخصيتهُ في مجموع الشخصياتِ، لنصل معها وبها إلى حكايةٍ تقتربُ من الشعبي، فهي تكتفي بقوتها ودلالاتها الواضحة على حسابِ الغامضِ أو المحمّل بالتلغيز والتفخيخِ الذي ترتكبهُ بعض الروايات.

الرسائل الممكنة/ الاسقاطات:

في كلمتهِ الاستهلالية يمهّدُ بلال برغوث لقارئهِ بأن روايتهُ الأولى، ليست رواية مشوّقة فحسب، بل هي روايةٌ تحملُ رسالتها ولها علاقة وثيقة بما يحدث، فإن كان زمانها ومكانها متخيلين فلها بالتأكيد مايقرّبها من واقع اليوم، سيما أنّ الجزء الأكبر من الكتابة هنا كانَ مسرحهُ حرملك السلطات وعلاقتهُ بالشارع بمعناه الشعبوي أو الجماهيري، يقول:” بالطبع رواية” ممالك البحر الأحمر” ليست رواية تجريدية” وإنّما هي ذات إسقاطات على واقعنا الحالي، سواء بالجغرافيا أو بالمواقف والأفعال.

ختاماً:

سيتلمسُ قارئُ رواية (ممالك البحر الأحمر/ السقوط) والصادرة عن دار كتابنا للنشر والتوزيع، مناطقَ أخرى لم تأت هذه القراءة عليها، ذلك لكثرة الأحداث والأسماء وتشابكاتها، غير أنّه سيكونُ أمامَ عملٍ سيقرأهُ فيستمتعُ بلغته ومآلاته ومجرياته ورغم كمية الخيال فيه، يكوّن علاقةً وثيقةٍ بواقعهِ.


* شاعر وناقد سوري


المصدر | القدس العربي