فُتِحَت سمَرقَندُ مرّتين!

بلال البرغوث  |  October 31, 2016


في الأولى فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي قبل أن تبلُغ شكوى أهلِها مسامع عمر بن عبد العزيز الذي قضى قاضيه بخروج المسلمين منها؛ لأنّهم هاجموها على حين غرّة و لم يؤذِنوا أهلها ثلاثة أيام، وفي الثانية حين خرج المسلمون منها تنفيذاً لأمر القاضي، ومع غروب الشمس لحِقهم كهنة سمرقند وأهلها مُعلنين إذعانَهم لدين العدلِ والحق.

وقد أُريقت أنهارٌ من الدّماء في فتح الأندلس وتثبيت حكمها، ولكنّنا أضعناها بمجرّد ضعف شوكة المسلمين وتفرقهم وانشغال قادتهم باللهو وتقاعسهم عن إتمام مسيرة الجهاد.

فيما فُتِخت إندونيسيا «أكبر بلد إسلامي اليوم» وماليزيا وبروناي ودخل عشرات الملايين من الصّينيين الإسلام بأخلاقنا وامتثالنا لأمر رسولنا بحُسن معاملة الخَلق.

نعم.. فُتِحت لنا مشارق الأرض بعدلنا وإحساننا ولكنّها لن تبقي لنا بجورنا وظلمنا، قال صلى الله عليه وسلم: «إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق» فهي جوهر هذا الدين وعِماد التزامنا به، وإن بقينا على حالنا من ظلم وضياع للحقوق فلنُبشر بعقودٍ لا تنتهي عذاباتها نكونُ فيها المتّهمين ولا تثبتُ إدانتنا ولكنّهم يجتاحون أرضنا ويقتلون شعبنا ويخربون بلادنا ثم يكتشفون بعد سنين أنهم أخطأوا!

يقول ابن تيمية: فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ ووَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى: «اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً».

نعم.. لا أُنكر أنّني ممّن يقتاتُ من فتات تاريخنا المجيد لأستطيع العيش متأمّلاً بانبثاق فجرنا الجديد.
ربّما نعيش اليوم أقصى درجات انحدارنا كأمّة فأستذكرُ كيف خذل الناصر يوسف «صاحب دمشق وحلب» كامل محمد صاحب «ميافارقين»، عندما طلب مؤازرته لمواجهة المغول، ولم يكتفِ بذلك بل أرسل ابنه العزيز محمد محمّلاً بالهدايا إلى هولاكو الذي ردّه وأحرق دياره فيما بعد.

ولكنّني سرعان ما تجتاح ذاكرتي أنّه في كل تلك الخيانات التي كانت تنخر بأمتنا آنذاك والهزائم التي تعصف بها إثر غزو المغول الذين أحرقوا حضارتنا ومدننا، فقد هيّأ الله وفي يوم محرقة بغداد قيامةً جديدة لهذه الأمّة فولدَ عثمان، الذي أسّس ونسله من بعده دولةً أعزّ الله بها الإسلام والمسلمين وغزَت مشارق الأرض و مغاربها.

يقيني اليوم أنّ ربّ العزّة الذي يتولانا برحمته وعطائه يهيئُ للأمّة اليوم في زاويةٍ من زوايا هذه الأرض قيامةً جديدة، فلابدّ ألّا تمر مظالم العراق ومذابح البورما والدم النازفُ في سوريا وليبيا واليمن دون حساب.

عندما بدأت ثورة الشام كنت يافعاً في سنتي الأولى من الجامعة، لَم أكترث لدراستي و لا لخطورة الوضع الأمني في العاصمة و محيطها ولحقت ركب هذه الثورة، فلَقيتُ فيها رجالاً ليسوا كالبشر.. رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه قولا وفعلا، فتركوا دنياهم، ولحقوا رَكب شرف هذه الأمة، تعلمت منهم أن شرف هذه الأمة يحتاج بذلنا وصدقنا، ثم بدأ حصار الغوطة الشرقية فازدادَ يقيني بالله عز وجل و أملي بهؤلاء الرجال، وازداد يقيني أنّه في مكانٍ ما يهيئ الله لنا قيامةً جديدة.

قَد أكون أسير صفحات التاريخ ولكنّني أعلم يقيناً أن التاريخ دوماً ألهم الشعوب وكان محفّزاً دائماً لرسم المستقبل.

أعلم يقيناً أنّنا مررنا بعقودٍ من الانحدار سابقاً فكانت خير دافعٍ لأمتنا لتصطفّ من جديد وتولّد قائداً جديداً يجمع شمل الأمة وينفض عنها غبار الذل، وما صلاح الدين الأيوبي وقطُز إلا أمثلة تنضحُ بها صفحات التاريخ المشرّف.

هذه الأمّة الولّادة التي غزَت العالم بالأخلاق تارةً وبالسيف تارة أخرى لن تموت، قد تكبو وقد نظنّ أنّك سباتها قد طال، ولكنها أسقطت دولة من أعظم دول العالم القديم «دولة فارس»، وهزمت الصليبيين مراراً وأقامت دولاً وممالك من الصين وآسيا الصغرى والهند إلى بلغراد والأندلس.

قد رسموا يوماً و يرسمون اليوم مخططاتهم التي يريدون بها النيل من شأن هذه الأمة، ولكنهم لطالما رسموا…
وأرى أن كل الحق لهم أن يحبطوا قيامتها فلو قامت لَأحيت مبادئ العدل والإحسان التي يفقتدها عالمنا المجنون اليوم الذي يترشح فيه مَن يظهر في الأفلام المخجلة لأعلى منصب سياسيٍّ في العالم دون حتى أن يخجل.

هذا العالم بما وصل به من انحطاط وانقلاب قيم الحق والباطل.


المصدر | عربي بوست