دستور على طريقة بريمر بنكهةٍ مافيوية!

بلال البرغوث  |  February 11, 2017


رغم أنَّني نهِمُ الاطلاع على كل ما يتعلّق بالثورة السورية من وثائق واتفاقات حتى تلك التي تناقشها أوراق عمل المؤسسات الانفصالية ومنصات القاهرة وموسكو، فإنني لم أرِد – ولن أريد – الاطلاع على أي من متعلقات دستور موسكو الذي قدمته لصبيانها من منصات القاهرة وموسكو والمعارضة الداخلية، الذين يمثّلون الوجه الأقبح لمرتادي مكاتب المخابرات وأحجار الثورة المضادة التي تُجهَّز في الظلام للانقلاب على مطالب ثورةٍ سُقِيَت حتى اليوم بدمِ زهاء مليون شهيد.

لقد كانت المملكة السورية العربية من أوائل مَن صاغوا دستوراً وطنياً في 1920، ضمِن المطالب الحقة لشعبها وكُتِب بأقلامِ مفكريها وصدَر عن نخبةِ المجتمع آنذاك التي تصدَّرت العمل النيابي، ورغم كل الأحداث التاريخية المتراكمة في تلك الحقبة الزمنية وسياسات الحلفاء الاستعمارية الواضحة في منطقتنا، فإنهم حاولوا أن يصنعوا نموذجاً للاستقلال الذي تستحقُّه جماهير الشام ووقعوا وثيقةً نهائية صدرت ببيانٍ عن المؤتمر السوري العام، أكدوا فيها وحدتهم واستقلالهم التام، بما في ذلك فلسطين، وشدّدوا على مراعاة أماني اللبنانيين في إدارة مناطقهم وضمنوا حقوق الأقليات، في وثيقةٍ كانت أشبه بعهدٍ وطني لثلةٍ من النخبة الممثلة لمدن الشام كلها، اجتمعت في النادي العربي في دمشق.

فأين مَن يضعُ دستورنا اليوم من تاريخنا؟ وأين من يتسلمهُ من مسار هذا التاريخ لأمّةٍ تقاتل حتى الفناء في معركةٍ لنيل حقوقها؟!

ربما لم تُدرِك الدولة الحاملة للواء الاشتراكية في العالم أنّ شعبنا لم يكُن يوماً ثائراً ليحقق مطالب اقتصادية، وإن كانت مطلباً لا بد من تحقيقه، بل كان الشعب كله في معركة تحررٍ وكرامة، ثورة لأجل العدالة الاجتماعية ولأجل الإنسان، الإنسان نفسه الذي قُمِع من قبَل البعث في احتجاجات الـ64، والذي قتِل في احتجاجات نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، والذي يرزحُ منذ بداية حكم البعث حتى اليوم في أقبية المعتقلات ثمناً لرأي يبوحُ به وطموحاتٍ تراودُه، الإنسان الذي فقد بيته وولده وحياته في سبيلِ عزّةِ مجتمعه، وهو نفسه الإنسان الذي تُعينُ وارثةُ أنقاض السوفييت النظامَ السوري اليوم على قتله.

ما يُشعرني بالقرف هو أنّ ثلةً ممن هم سوريون في الدرجة الأولى ويصفون أنفسهم كمعارضين في الدرجة الثانية قد وفدوا لتسلم نسخة دستورهم المعدّة في دولة مافيويةٍ تعاني من انتهاكاتٍ خطيرة لحقوق الإنسان على أراضيها، بما في ذلك البطش بمعارضيها واغتيالهم رُبما كما حدث مع نيمتسوف في شتاء 2015.

فإن كانت هذه هي الدولة النموذج الذي نستورد منه دستورنا فما هو حالُ سوريتنا إذاً!

إنّ فكرةَ كتابة الدستور في موسكو بحد ذاتها تُذكّرُني بسياسات الانتداب، وكيف يتعامل المستعمرُ مع الدول التي يسعى لضمّها تحت جناحه بوأدِ الحياة السياسية فيها، وإنشاء ديكتاتورياتٍ محليّة يمتلكُ ولاءها المطلق، ولكن مهما شرّقَ الروس وغرّبوا، ولو صنعوا بدلَ الأسد ألفاً، فإن معركة السوريين لانتزاع حقوقهم ماضية، وإنما هي جولاتٌ عَرَّت مَن كانوا يوصفون يوماً بأنهم معارضون ودعاة تحرُّرٍ وكرامة.

إن الحق المشروع الذي يضمن للأمّة السورية صنع مستقبلها باتفاق أطيافها، وصياغة دستورها بما يتلاءمُ مع ثقلها التاريخي وزخمِ المعركة التي يقودها هذا الشعب نحو ذلك المستقبل، لا بد أنَّه سيتمثّلُ يوماً في عقدٍ اجتماعي يُضاف للنِّتاجِ الحضاري لهذه الأمة،
لكني ما زلتُ حقّاً أتساءل: هل تسلموا الدستور مُعدّاً باللغة الروسية؟


المصدر | عربي بوست