حبُّ المُرابين

بلال البرغوث  |  January 27, 2018


حبُّ المرابين يا سادة هو حبٌّ بالفائدة، حبٌّ ملَكته المصلحة واشتعلت شرارتهُ مع تلألؤ الجواهر وبريق الملابس المخمليّة وصيتِ الشهرة والحَسَب والنَّسب، وبانقضائها انطفأَت جذوة الحبِّ ودشرَ «العشيقُ» يبحثُ عن صيدٍ آخر.

والضحايا في هذا الحبِّ أُعموا بنعيم الحبِّ ودفئه وتدفِّقِ شِعرِهُ وانسياب مشاعره، وانطلقوا يعيشون الرِّحلة بقلوبهم وأرواحهم، فيما ذلك المتصيِّدُ اللئيم يعيشها ممثِّلاً يجيدُ كل أدوار الحياة.

وفي لحظات انقشاعِ الحقيقة تنكسرُ قلوبٌ خُدِعَت وتتحرَّرُ أخرى خَدَعت.

وقد تكون الضحيةُ وحيدةً مضى عليها العمر في تأسيس حياةٍ كريمةٍ، قبل أن تقعَ في هدف سهام ذلك المتصيد، الذي يرسم طريقه إليها، ويوقعها في شباكه الماكرة، وينتهي به الحال متنعماً بمالها ومنتظراً فرصةً أكبر مع هدفٍ آخر يوماً ما، وقد يكونُ قبحُ المنظر كذلك نقطة ضعف تلك الضحية، التي ما إنْ أُغرقَت بكلمات الحبِّ والرسائل المعطّرة المغلقة حتى انجرفت نحو تلك المصيدة وعلقت بها حتى شمس ذلك اليوم الذي ترى فيه حقيقة مُتصيِّدها، وقد تكون كذلك مفكِّرةً أو عالمةً أو شاعرة ثم تنغمس في رحيق الحب فتَهوي من أعالي أبراجها في مصيدة ذلك اللئيم.

وقد تكون… وقد تكون… والمشترك بين جميع الضحايا أنَّهم سلّموا كل مفاتيحهم لبوّاب الحب ظنّاً منهم أنّه سيحميها، ثم عاشوا خلفها ورفضوا مع كل شكوكهم أن يفتحوها ليشاهدوا حقيقة الجحيم الذي صنعه ذلك البوّاب خلفها، جحيم الكذب والاستغلال، وإنَّ أبشع أنواع الاستغلال يا سادة، هو استغلال المشاعر لأهدافٍ ماديّة وكذلك الكذب في تملق تلك المشاعر بمشاعر مزيفةٍ يقابلها مشاعر نقيّة لضحايا حبٍّ أحمق لا ينتمي لصدقيّتهم وإخلاصهم وربما لسذاجتهم.

«في الحبِّ لا منتصر» ففيه ننهزم جميعاً أمام مشاعرنا في حضرة العشيق، نقدِّم ونبذل، ويتمثّل جلُّ ذلك في مدى عطايانا على حساب مصالحنا وحتى كبريائنا، وهذا ما لا يمكن لذلك المتصيِّد فعله، فهو منتصرٌ «بظنِّه» وعلى حساباته، يقتاتُ على الكذب في وجوه الآخرين، ويحسبُ نفسه أكثر ذكاءً.

ومع عظيم إثم أولئك المتصيدين فإنّه لا عزاء للسذّج، الذين لم يلحظوا استغلال الآخرين لهم، ولم يتتبعوا شكوكهم ليتمردوا على قلوبهم مرّةً ويشاهدوا سواد الحقائق، فإن كان الخوف من تجرِّع علقم الخيانة عائقاً دون كشفها، فلتعش الخيانة عمراً طويلاً في أبراجٍ محصّنةٍ بجنود الخوف.

وفي الحقيقة يا سادة فإنّه من الممكن لجذوة الحب الحقيقي المتوقدة أن تحرق كل محصّن، يحاربُ في سبيلها المتحابّون لينتصروا لحبهم، ويرسموا مستقبلهم كما يودّون عيشه، وأمّا حب المرابين هذا فإنه يسقط عند أوّل كبوة وينحني أمام كل هبّة رياحٍ مهما خارت قواها، ومهما قاتلت الضحية على كل جبهةٍ دفاعاً عن حبها الأحمق، فإنَّ بلادة مُتَصيِّدها وردوده الباردة وانعدام مؤازرته لها على كل جبهةٍ تقاوم عليها تكون مشنقة هذا الحب ولحده وقبره.

في الحب يا عزيزي انعتاقٌ للذات، تحرّرٌ لها، فيه أملٌ وفيه حلمٌ وفيه حياة، فيه تتزواج الأرواح، وتنكسر الحواجز لتعبر الأسرار، فيه ألحانٌ تغرِّدها كل خلايا القلب وتتدفّأُ على معزوفاتها، فمهما طال بك الزمن بحثاً عن ذلك الحب، فانتظر، ولا تغامر بقلبك… فإنّ القلوب المنكسرة قد تضلُّ كثيراً دروب استشفائها.


المصدر | عربي بوست