اليمن في المنفى!

بلال البرغوث  |  November 14, 2017


حينَ يغدو اليمنُ في منفى شبه جزيرتنا العربيّة؛ لأنّ شعبه -كإخوانه العرب- ثائرٌ مناضلٌ ومطالبٌ بحريّته وكرامته، حينَ تحاصرُ قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية موانئ اليمن وتقصف «بالخطأ» مدارس وتجمعاتٍ مدنيّة فتُريقُ دماً حراماً لأبرياء صامدين برغم كل ويلات الحياة هناك، حينَ تطاردُ كل أشكال الحياة السياسية في اليمن، وحين تُفتَتَحُ أفرع تابعة لدولة الإمارات العربية في جنوبي اليمن لتختطف كل رموز الفكر فيها وتصادرُ آدميّتهم بتعذيبهم كما لا يليق بالبشر!

حينَ يجوع اليمن وتنتشر الكوليرا في شبه جزيرتنا العربية الغنية هناك في منفى اليمن، هناك حيثُ عزَلت حكومات العرب شعباً بأكمله وحاربت لتحرمه من الحياة.

اليمن يا سادة هو قطعةٌ أصيلةٌ من العرب وامتدادٌ ثقافيٌّ، عليه تعاقبت حضارات وممالك وتناقَحت مع حضاراتٍ أخرى.

على أرض اليمن التقت آسيا بإفريقيا وعبرت الحضارات، وفُتحت منها بوابتنا الثقافية إلى إفريقيا، وفيه إرثٌ ثقافي ممتد حتى نشأة الإنسان نفسه، فهي من أقدم المناطق المأهولة بالبشر، هناك بنى بنو البشر سد مأرب منذ آلاف السنين، وأقاموا القصور والقلاع، وشيّدوا موانئَ ونحتوا الجبال.

في اليمن ميناء عدن، وهو أحد أهم موانئ العالم، ففي منتصف القرن الماضي كان ميناؤها ثاني أهم ميناء في العالم بعد ميناء نيويورك، والأهم من ذلك أنّ اليَمَنين وحّدا بعضهما ليكوِّنا وطناً كبيراً لليمنيين، ذلك الوطن الكبير الذي تحاول دول الجوار اليوم شطرهُ قسمين تبعاً لمصالحها.

في اليمن يا سادة شعبٌ حمل حلمه مع ربيع العرب، خرج في الساحات وانتفضَ وحيّا تونس والشام والقاهرة وطرابلس الشرق، حلماً عظيماً شكّل كابوساً لدول الجوار التي تقود شعوبها بالنار والحديد، فعاقبوا اليمن وساهموا في تغذية الفوضى فيه، وصبوا نيرانهم على شعبه، فلا انتصروا على الحوثيين المتحالفين مع صالح الذي أنقذته السعودية والذين كانت عاصفة الحزم عليهما كالنسيم، بينما كانت جحيماً على باقي اليمن، ولا سمحوا لحياة الجنوب المحرَّر من رجس الحوثيين أن تليق بثورة أهله الأحرار بعد أن فرضوا عليه رجسهم.

ثمّ جاء ترامب ووقِّعت العقود بمئات الملايين وبقي الآلاف في اليمن يموتون تحت وطأة الكوليرا، على بعد أميالٍ من صكِّ العقود كان شعب بأكمله يُهدَّد بالمرض على أرض شبه الجزيرة العربية المفعمة بالثروات، واليوم تشرع المملكة السعودية بمشروع «نيوم» برأسمالٍ يبلغ نصف تريليون دولار، بينما تحاصر قوات المملكة العظيمة موانئ اليمن وتمنع وصول المواد الإغاثية لمستحقيها؛ لتزيد من وطأة حصار الحوثي لمدن الداخل؛ ليتركوا جميعاً اليمن في مواجهة مجاعة بملايين الضحايا حسب تعبير الأمم المتحدة!

هي سياسات الجوار في نفي اليمن، في تعذيبه وتجويعه وإنهاكه عقاباً لشعبٍ مطالبٍ بالحرية، هي انقلاب على ثورة شعبٍ ضحّى لأجلها، ذلك لأن شعب اليمن عزيزٌ لم يرضَ بهوانٍ ولا مذلة.

يؤلمنا ويبكينا دماً أنّ شعباً بأكمله يرزحُ تحت وطأة الموت والحصار في جزيرتنا العربية العائمة على بحور النفط، بينما تصبُّ أموالنا في جيوب الأميركي الأشقر طمعاً برضاه وجنّته، تبكي عندما تفتك الكوليرا بشعبٍ والأنظمة من حوله تتصارع لتبقى على عروشها خائفةً من بروز نجم قوى سياسيةٍ تحقُّ الحقَّ فتحرق لهم عروشهم القائمة على أنقاض شعوبهم، تلك الشعوب المساقة كالقطيع خلف رعونات حكوماتها ويحلفون بحياة الملك المفدَّى!


المصدر | عربي بوست